RSS

هل يخطئ الأطباء؟

06 جوان

لاحظت في الآونة الأخيرة انعدام ثقة المجتمع السعودي في الأطباء والقطاع الصحي نظرا لما يسمى بظاهرة “الأخطاء الطبية” ، ومما يزيد الأمر سوءا تصعيد الموضوع في الصحافة المرئية والمقروءة عن طريق كتاب ومحررين غير ملمين بالفرق بين الخطأ الطبي بسبب الإهمال وبين المضاعفات الطبية. وأصبح هدف الجميع توجيه أصابع الاتهام والتفنن في تحديد هل المستشفيات الحكومية أم الخاصة تنفرد بنصيب الأسد في عدد الأخطاء الطبية وهل الأطباء السعوديين أم الأجانب يخطئون أكثر؟ وغيرها من الأسئلة السطحية التي لن تزيد الأمر إلا سوءا.

 

مادفعني لكتابة هذه المقالة هو حلقة برنامج “ياهلا” التي تتطرقت إلى الأخطاء الطبية وماعرضه مقدم الحلقة من تهكم على الأطباء وتشهير ببعض المستشفيات الحكومية والخاصة. وفي الوقت الذي نفخر في تطور صحافتنا وشفافيتها ولكن نأمل أن تلتزم بالمهنية والموضوعية في طريقة العرض والاستعانة بخبراء لصياغة مواضيعهم.

لم ولن تحل مشكلة الأخطاء الطبية بعناوين الصحف الرنانة ، ولم ولن تحل بعد حلقة “ياهلا” ومابها من استهزاء بالأطباء ، ولم ولن تحل بمؤتمر يعقد ليوم أو يومين يستعرض فيه بعض الخبراء خبراتهم. يتضح أن كل فئة (المجتمع) و (الأطباء) يسير في وادي. أعتقد شخصيا أن الحل لهذه المشكلة كما فعلت الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول العالمية حيث أن مشكلة الأخطاء الطبية هي مشكلة عالمية بمعنى الكلمة.

 

في عام ٢٠٠٠ نشر معهد الطب
Institute of Medicine

تقريرا مفصلا يتكون من ٢٧٢ صفحة عن الأخطاء الطبية في الولايات المتحدة وأسباب حدوثها وطرق الحد منها. وبمناسبة ذكر معهد الطب فإنه من المنطقي توضيح أنه منظمة مستقلة غير ربحية وغير حكومية تقدم النصائح والمشورة للحكومة الأمريكية في مجال الصحة ، والمعهد يتبع الأكاديميات الوطنية. ويعمل مايقارب من ألفي موظف ومتعاون ومتطوع في معهد الطب للرقي بصحة المجتمع الأمريكي.

 

وقد نشر التقرير المفصل عن الأخطاء الطبية بعنوان
“To Err is Human”
وترجمته “كل ابن آدم خطاء” وكأني بالأمريكان يعنونون كتابهم بنص حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (رغم أن بعض علماء الحديث ضعفه وبعضهم أنكره). ولن أدخل في تفاصيل التقرير ولكن أردت سرد بعض الاحصائيات من التقرير لتوضيح عظم المشكلة في أمريكا. فقد استند التقرير إلى دراستين بحثية عن الأخطاء الطبية أجريت في ولايات نيويورك وكلورادو وأوتاه وكانت نتيجة الدراستين أن نسبة الأخطاء الطبية تبلغ مابين ٢،٩٪ و ٣،٧٪ من إجمالي حالات الدخول للمستشفيات في هذه الولايات ، وقد أدت ١٣،٦٪ من هذه الأخطاء إلى وفيات بسبب الأخطاء الطبية. وأشارت الدراستين أن أكثر من نصف هذه الأخطاء كان من الممكن تجنبها. واستنبط التقرير بناء على هذه النسب أن عدد الوفيات في الولايات المتحدة بسبب الأخطاء الطبية قد يتراوح مابين ٤٤٠٠٠ إلى ٩٨٠٠٠ وفاة سنويا.

 

وقد أورد التقرير أسباب عديدة للأخطاء الطبية تم سردها في عشرين صفحة ، ألخصها هنا في أخطاء تشخيصية وأخطاء علاجية وأخطاء وقائية بالإضافة لأخطاء في النظام. ومن ضمن الأخطاء التي ذكرها التقرير أخطاء وفشل في عملية التواصل بين أعضاء الفريق الطبي وخلل في الأجهزة وخلل في النظام الصحي. وأردت استنباط بعض الجمل من التقرير باللغة الانجليزية وترجمتها حرفيا باللغة العربية لتوضيح أن مايعانيه المريض السعودي يعانيه المريض الأمريكي كذلك.

“One oft-cited problem arises from the decentralized and fragmented nature of the health care delivery system–or “nonsystem,” to some observers. When patients see multiple providers in different settings, none of whom has access to complete information, it becomes easier for things to go wrong.”

“أحد المشاكل التى يكثر الاستشهاد بها هو الطبيعة اللامركزية والتجزئة في نظام تقديم الرعاية الصحية ، أو بمعنى آخر انعدام النظام في وجهة نظر بعض المراقبين. عندما يرى المريض العديد من مقدمي الخدمة (الأطباء) في أماكن مختلفة ، وليس لدى أي منهم امكانية الوصول إلى المعلومات الكاملة عن المريض ، يصبح من السهل حصول الخطأ الطبي”

 

 

فترى المريض السعودي يتبضع بين الأطباء في المستشفيات الحكومية والخاصة (نظرا لانعدام الثقة وذلك ناتج لتصعيد المشكلة في الصحافة بدون النظر في أسباب المشكلة وطرق علاجها) وكما ذكر التقرير فإن هذا التبضع بين الأطباء هو أحد أسباب الأخطاء الطبية. ولن أتطرق لسرد الأخطاء الطبية ولكن أقترح أن يقوم مجلس الخدمات الصحية في المملكة العربية السعودية بترجمة التقرير وتوزيعها على رؤساء تحرير الصحف السعودية وحرري الصفحات الصحية ومقدمي البرامج الرنانة مثل “ياهلا” ريثما يقوم المجلس بإعداد مثل هذه الدراسة أو ريثما يقر مجلس الشورى تكوين هيئة مستقلة ذات شخصية اعتبارية لاجراء الدراسات الاستشارية لتطوير الصحة والمحافظة على سلامة المريض.

ومن ضمن الحلول التي عرضها التقرير في عام ٢٠٠٠ (وتم تنفيذها خلال العقد الماضى) للحد من ظاهرة الأخطاء الطبية في الولايات المتحدة الأمريكية:

  • . انشاء منظمة وطنية لتعزيز وتثقيف الأطباء والمجتمع بسلامة المريض عن طريق بناء القيادات الصحية المتخصصة في هذا المجال واجراء الابحاث وتفعيل البروتوكولات التي تضمن سلامة المريض ودعمها دعما ماليا حتى ١٠٠ مليون دولار سنويا
  • . تحديد الأخطاء الطبية والتعلم منها عن طريق انشاء نظام وطني عام للإبلاغ عن الأخطاء الطبية وتشجيع المنظمات الصحية وممارسي المهنة في المشاركة في التبليغ الطوعي عن أخطاءهم الطبية.
  • . رفع مستويات الأداء والتوقعات لتحسين مجال سلامة المريض من خلال عمل المنظمات الرقابية والجمعيات المهنية.
  • . تنفيذ نظم السلامة في مؤسسات الرعاية الصحية
  • . التركيز وتعزيز مفهوم فرق العمل بين مختلف تخصصات مقدمي الخدمة في تقديم الخدمة الصحية واجراء البرامج التدريبية للممارسين الصحيين لتعزيز مفاهيم فرق العمل وأساسيات التخاطب باستخدام أحدث أساليب التعليم الطبي مثل المحاكاة.

 

 

وختاما ، أرجو أن  تصل فحوى هذه الرسالة لإخواننا الصحفيين ليتقوا الله فيما يكتبون وليعلموا أن مايقومون به لن يزيد المشكلة ألا تعقيدا وتدهورا ، وأتمنى كذلك أن نرى قريبا هيئة وطنية لسلامة المريض مثل العديد من الدول المتقدمة التى أنشأت منظمات مستقلة هدفها التثقيف وتعزيز مفهوم سلامة المريض
Patient Safety.

 

.وأتمنى كذلك أن نتوقف عن لعبة توجيه أصابع الاتهام لقطاع صحي دون غيره (حكومي كان أم خاص) ولنتوقف عن التشهير فالأطباء ليسوا مرتشين أو مجرمين.

 

وأترككم مع أمثلة لبعض المواقع الالكترونية وصفحات الفيس بوك والتويتر لمنظمات لسلامة المريض في بعض الدول المتقدمة

 

منظمة الصحة العالمية

http://www.who.int/patientsafety/en/

 

الولايات المتحدة الأمريكية

http://www.nlm.nih.gov/medlineplus/patientsafety.html

http://www.patientsafety.gov/

http://www.npsf.org/

http://www.psnet.ahrq.gov/

 

بريطانيا

http://www.npsa.nhs.uk/

http://www.patientsafetyfirst.nhs.uk/content.aspx?path=/

 

كندا

http://www.patientsafetyinstitute.ca/English

http://twitter.com/Patient_Safety

http://www.facebook.com/PatientSafety

 

استراليا

http://www.apsf.net.au/

http://www.safetyandquality.gov.au/

 

الاتحاد الأوروبي

http://90plan.ovh.net/~extranetn/index.php?option=com_content&task=view&id=1&Itemid=2

 

ألمانيا

http://www.german-coalition-for-patient-safety.org/

 
8 تعليقات

Posted by في جوان 6, 2011 بوصة Uncategorized

 

8 responses to “هل يخطئ الأطباء؟

  1. صالح الغامدي استشاري

    فيفري 18, 2013 at 2:13 م

    لا يجب ان نتوقع اي تحسن في الخدمات الصحية ما دام الامر يوسد الى غير اهله وما دام الاطباء يعتدون على تخصص الادارة ويكابرون على جهل بابسط أساسيات القيادة والادارة واتخاذ القرار وعلى راس هؤلاء الربيعة وسوف يحاسب على كل هذا الفساد امام الديان هو ومن قبله ومن يقف خلفهم

    إعجاب

     
  2. د/عبداللطيف برناوي

    فيفري 18, 2013 at 8:09 م

    كتبت فأبدعت …. سدد الله خطاك
    وعسى أن نحذو حذو من سبقونا

    إعجاب

     
    • د.محمد

      فيفري 20, 2013 at 12:50 ص

      للأسف أن ظاهرة التصعيد الإعلامي -بشقيه التقليدي و الجديد- قاد إلى نقاشات يبننا نحن الأطباء عن جدوى العمل السريري تحت هذا القصف الإعلامي المتواصل و ثقل المسؤولية و انعدام الثقة بين المريض و الطبيب خصوصا في بيئة تضعف فيها الإمكانيات و يزداد المرضى يوما بعد يوم ….فنحن نرى زملائنا الذين اتجهوا للعمل الإداري و غير الإكلينيكي المريح في حين أننا نناوب الأيام الطوال بالإضافة إلى العيادات والعمليات … ومع ذلك يحصلون على نفس المزايا والرواتب التي نحصل عليها …
      الخطورة تكمن في اتجاه الأطباء بعد سنين طويلة من الدراسة والتدريب إلى البعد عن العمل الإكلينيكي نتيجة غياب القواعد المنظمة لحقوق الأطباء و سائر الممارسين للعمل السريري !!!

      إعجاب

       
  3. القمر ضاوي

    فيفري 19, 2013 at 8:15 م

    دكتورنا السلام عليكم
    تحية طيبة
    سوف اعلق على موضوعك القيم من خلال الاتي
    1/توجد لدينا كوادر نفخر ونفاخر بها لكن مقارنة بلملموس من اخطاء يكاد لا يذكر والامثله كثيرة
    2/التراخيص اللمنوحة للاشخاص المزاوليين للمهنة
    3/غياب الرقابة والاهمال سبب رئيس في انعدام الثقة مع وجود الامكانات المادية الضخمة
    4/اصبح المجال الصحي مجال استثماري تجاري بحت دون الاكتراث بصحة المرضى

    ودمتم سالمين

    إعجاب

     
  4. Wejdan

    جويلية 19, 2015 at 10:27 م

    يعطيك العافية دكتور على هالمقال…

    اصلاً الاعلاميين دائماً يبحثو عن مواضيع تثير الجدل
    بدون اي تفكير اذا كان راح يضر الطرف المتحدث عنه او لا

    المفروض لمن يتكلم يضع حلول ويحاول يحسن الأخطاء
    ’عشان تحل مشكلة اول شيء تجدلها حل بعدين تفكر فيها’

    ولو فكر يحط نفسو مكان دكتور او اي شخص قد اخطاء ما كان ذكر اسمائهم وشهر فيهم.

    الله يوفق العاملين في جميع المجالات لخدمة المجتمع للأحسن وبما فيه فائدة لهم

    إعجاب

     

أضف تعليق