RSS

الجودة في التعليم العالي وعم عبدالله الفوال

16 ديسمبر

استبشر الجميع خيرا بإعلان انشاء الهيئة الوطنية للتقويم والاعتماد الأكاديمي والتي توضح صفتحها الرئيسية على موقعها الإلكتروني رؤيتها ورسالتها وهي “أن تصبح معروفة داخل المملكة وخارجها بجودة وفعالية إسهاماتها في التحسين المستدام للجودة في كل قطاعات التعليم فوق الثانوي في المملكة العربية السعودية”. وليس غريبا وصدفة أن تتكرر كلمة الجودة مرتين في رؤية ورسالة الهيئة. والخوف أن يكون هدف الجامعات هو تحقيق الاعتماد الأكاديمي محليا كان أم عالميا وليس تفعيل الجودة في كل ماتقوم به من نشاطات على أرض الواقع.

 

وقبل أن استرسل في موضوع الجودة ، أود أن اعترف أنني لست خبيرا في هذا المجال الذي له أهله ومتخصصيه ، وإنما هي وجهة نظر شخصية أتمنى أن يشاركني المتخصصون في هذا المجال برأيهم ، فهناك من يحضر رسائل الماجستير والدكتوراة في الجودة عامة أو في الجودة الأكاديمية أو الجودة الصحية.

أول مرة سمعت بها عن الجودة كانت عن طريق قسم “مراقبة الجودة” عندما كنت أعمل في فترة الصيف خلال مرحلة الثانوية في أواخر الثمانينات في أحد مصانع أنظمة التخزين المعدنية في مدينة جدة ، حيث كان جميع زملائي العمال يحاولون جهدهم لإنتاج أرفف وقوائم حديدية بأعلى جودة ، خوفا من الملاحظات التي ستأتيهم من قسم “مراقبة الجودة” إن لم تتطابق منتجاتهم مع اختبارات معايير الجودة التي يقوم به القسم عشوائيا للكشف عن العيوب في التصنيع أو عيوب في المنتج (مشابهة لعيوب في العملية التعليمية أو عيوب في جودة الخريجين).

 

وسرعان ماتحول هذا القسم من قسم “مراقبة الجودة” إلى قسم “ضمان الجودة” حيث اتسع مفهومه إلى نظرة أكثر شمولية حيث اكتشف المصنع أن اكتشاف العيوب في المنتج بعد تصنيعها هي عملية مكلفة جدا ، فمن المنطقي التنبأ بحدوث هذه العيوب التصنيعية (أو التعليمية) خلال جميع مراحل التصنيع (أو التعليم) ابتداء من موافقة المنتج (أو العملية التعليمية) لمواصفات معينة يتقبلها المستهلك ، مرورا باختيار المواد الخام ونوعيتها (قبول الطلاب) وفحص أجهزة التصنيع وصيانتها وتطويرها (المناهج ومصادر التعلم) ، التحكم في التصنيع وتطوير مهارات العاملين (أعضاء هيئة التدريس)، بالإضافة إلى فحص نهائي للمنتجات.

 

وتدريجيا تم تطبيق نظام إدارة الجودة الشاملة في المصنع

(Total Quality Management System)

والذي له تعريفات عديدة وله معايير عديدة ، أحدها معايير الأيزو ، والفكرة بصيفة مبسطة هو استخدام أسس الجودة في كل جزئية من عمل المؤسسة أو المصنع ابتداءا من التخطيط والإدارة والاستقطاب والعمليات اليومية والتوسعات المستقبلية. ويهدف باختصار إلى عمل الشئ الصحيح من أول مرة وكل مرة. وقد أثر تطبيق نظام إدارة الجودة الشاملة في عمل هذا المصنع من ناحية تحقيق الأرباح والتصدير لخارج المملكة.

 

وتنتشر أنظمة إدارة الجودة الشاملة مثل الأيزو في الكثير من المؤسسات والشركات والمصانع المحلية والعالمية ويختلف التزام هذه الجهات بمبادئ الجودة بين من اتخذ الأيزو كوسيلة لتحقيق الجودة كمنهج وفلسفة إدارية وطبقها عمليا ومن اتخذ الأيزو كغاية لأهداف الدعاية والتسويق. حتى انتشر مثل شهير في الدول العربية” “خد الأيزو واعمل اللي انتا عايزو” وأصبح “كل من هب ودب يجيب الأيزو” و”حتى عم عبدالله الفوال عنده أيزو” وكما انتشرت عدوى الأيزو ، انتشرت عدوى الاعتمادات الأكاديمية المحلية والعالمية ، وانتشرت كذلك عدوى اعتمادات المنشآت الصحية.

 

ولكن بنظرة موضوعية للجودة في التعليم العالي ، وبدون التأثر باللي انتا عايزو ومش عايزو واحتراما لعم عبدالله الفوال والأيزو بتاعو ، نظرة مختصرة على معايير الإعتماد الأكاديمي للهيئة الوطنية للتقويم والاعتماد الأكاديمي ستوضح الفكرة وتشمل المعايير:

المعيار الأول:  الرسالة والغايات والأهداف

المعيار الثاني: إدارة البرنامج

المعيار الثالث: إدارة ضمان جودة البرنامج

المعيار الرابع: التعلم والتعليم

المعيار الخامس: إدارة شؤون الطلاب والخدمات المساندة

المعيار السادس: مصادر التعلم

المعيار السابع: المرافق والتجهيزات

المعيار الثامن: التخطيط والإدارة المالية

المعيار التاسع: عمليات التوظيف

المعيار العاشر: البحث العلمي

المعيار الحادي عشر: العلاقات مع المجتمع

 

وبنظرة سريعة على هذه المعايير يتضح جليا ارتباط معظمها ارتباطا وثيقا بأسلوب الإدارة ونظامها ومدى اتباعها أسس وأنظمة إدارية ذات جودة عالية وخاصة المعايير ١، ٢، ٣، ٥، ٦، ٧، ٨، ٩. وبالدخول في تفاصيل المعايير المتبقية ٤، ١٠، ١١ يتضح أن من متطلبات الهيئة الوطنية للتقويم والاعتماد الأكاديمي أن توفر كل جامعة أدلة ومؤشرات موثقة ملموسة على مدى تطبيق هذه المعايير. وللمطلعين على نظام الجودة يعلمون أن نظام الجودة الشاملة يعتمد على تخطيط وإجراء وتوثيق ومراقبة تنفيذ وتحسين كل العمليات التي تقوم بها المنشأة (فعلى سبيل المثال في منشأة تعليمية طبية هذه العمليات تشمل العمليات الإدارية والتعليمية والبحثية ونشاطات خدمة المجتمع وعلاج المرضى). والجدير بالذكر أن معظم منظمات الإعتماد الأكاديمي العالمية والمتخصصة مثل الطبية وطب الأسنان تتشارك في الكثير من المعايير الآنفة الذكر مع بعض الاضافات التي لها علاقة بالتخصص الدقيق.

 

وخلاصة وجهة نظري أن كل هذه المعايير تعتمد على انشاء نظام مركزي لإدارة الجودة الشاملة في كل جامعة يقوم بتطبيق مبدأ إدارة الجودة الشاملة في كل كلية وعندئذ ستصبح عملية الإعتماد الأكاديمي تلقائية نظرا لتطبيق وتوثيق ومراقبة جميع العمليات. قد تكون سمعة الأيزو قد تأثرت ، ولكن ذلك ليس عيبا في النظام وإنما عيبا في تطبيق النظام وإساءة استغلاله.

 

ليس هناك ضرر أن تنتشر عدوى الإعتمادات الأكاديمية ، ولكن الضرر أن تكون هذه الإعتمادات الأكاديمية هدف وورقة تعلق في مكاتب الإداريين مثلها مثل “خد الأيزو واعمل اللي انتا عايزو” ، الضرر أن ينسى أو يتناسى القياديون الأكاديميون أن الهدف من هذه الإعتمادات الأكاديمية هو تطبيق مبادئ الجودة والعمل بها.

 

وختاما ، ليس عيبا إن كان عم عبدالله الفوال حصل على الأيزو ، فمادام يقدم فولا صحيا لذيذا يجعله من أشهر محلات الفول في المنطقة لجودة فوله ونظافة مطعمه وعنايته بعماله وخدمة عملائه ، فلا بأس أن تخطو الجامعات خطوه في تطبيق مبادئ إدارة الجودة الشاملة لتقدم علما نافعا لذيذا تجعلها من أشهر الجامعات لجودة مناهجها ونظافة معاملها وعنايتها بمنسوبيها لتقديم خدمة راقية ذات جودة عالية لعملائها من الطلاب والمجتمع.

 

ولمن أراد أن يحذو حذو عم عبدالله الفوال ويطبق الأيزو في مؤسسات التعليم ، قد يكون هذا الرابط مفيدا له

 
2 تعليقان

Posted by في ديسمبر 16, 2011 بوصة Educational Leadership

 

2 responses to “الجودة في التعليم العالي وعم عبدالله الفوال

  1. Ali

    ديسمبر 28, 2012 at 5:57 م

    كلام جميل جداً

    اخ سهيل

    يعتقدون بأن كثرة المعاير تعني زيادة في الجودة

    بينما نلاحظ ان دول كثيرة تقدمت علميا واصلحت نظامها التعليمي

    كدوله فينليندا مثلاً

    والاسباب معاير قليله و واضحة

    يتم التركيز عليها

    واهداف موحدة ومحدده من وزير التعليم وصولاً الى الطالب

    لكن عندنا فقط نسخ ولزق

    الحقيقة بحثت في الموضوع هذا لاكثر من سنتين في الاخير

    واقتنعت بان التعليم عندنا مسرحية والله مسرحية

    مؤتمرات و ورش عمل ومذكرات تعاون و و و ……

    انشاء الهيئة الوطنية للاعتماد الاكاديمي

    انشاء عمادات للتطوير الاكاديمي

    وجدت بان البحث والكلام في الموضوع هذا مضيعة للوقت والجهد

    هل شاهدت المؤتمر الدولي للتعليم العالي

    فيلم والله فيلم استعراضي

    ولا تنسى (راصد) حق وزارة التعليم العالي

    الكلام يطول ويطول في موضع تعليمنا العالي والجودة

    اعتذر عن الاطاله

    تحياتي

    علي السبعي

    إعجاب

     

أضف تعليق