RSS

حرمة الحرم الجامعي

12 ديسمبر

في نقاش حاد ومنطقي مع أخي العزيز الدكتور هيثم بن أسامة طيب المعيد بجامعة الملك عبدالعزيز والمبتعث لجامعة هارفارد في تخصص الأمراض العصبية حول مقالة مجلة “ساينس” المشؤومة والتي أبرزت بعض النقاط حول طرق الإستثمار في البحث العلمي التي اتبعتها جامعة الملك سعود وجامعة الملك عبدالعزيز ، اتفقنا في بعض نقاط واختلفنا في بعضها ، وقبل أن أبدأ في التفصيل ومن منطلق توضيح تضارب المصالح (ومع أنني لا أنتمي إلى أي من الجامعتين)  أود أن أكرر إعجابي الشديد بشخصية معالي الدكتور العثمان مدير جامعة الملك سعود منذ زمن فأنا أعتقد أن هذا الرجل غير في خارطة التعليم العالي مالم يغيره أي وزير تعليم عال سعودي. فترى كل الجامعات تسير على خطى جامعة الملك سعود وآخرها موضوع شراء الأسماء الأكاديمية مثل جامعة الملك عبدالعزيز تيمنا بجامعة الملك سعود. ومادفعني لكتابة هذه الخاطرة هو ما وصل له نقاشي مع زميلي العزيز إلى بعض من أساس المشكلة ، وسأستعرض بعض خلفيات موضوع الأبحاث الشائك قبل الدخول في لب الموضوع.

يختلف البعض حول لهث بعض الجامعات نحو التصنيفات العالمية (مثل تصنيف شنقهاي وويبوميترك وكيو اس للجامعات) ، وللمعلومية فإن كل من هذه التصنيفات العالمية له منهجية خاصة به موضحة في الموقع الإلكتروني للتصنيف ، فبعضها تعتمد بشكل كبير على جودة المواقع الإلكترونية وكمية المادة العلمية ، وبعضها يركز أكثر على عدد الأبحاث الصادرة من منسوبي الجامعة ، أما بعضها فيركز على جودة الأبحاث من حيث عدد الإشارة إلى الأبحاث الصادرة من منسوبي الجامعة Citation Index

ومهما كانت أرآء المعارضين لهذا التوجه ، فهي شبيهة بعض الشئ للمعارضين لحمى الإعتمادات الأكاديمية المحلية والعالمية (حيث يعلم الكثير من الأكاديميين أن هذه الإعتمادات إنما هي ضمان أن معايير أكاديمية محددة قد تم توثيقها بشكل مرضٍ وافق عليها فريق من المحكمين ولايعني بالضرورة جودة العملية التعليمية أو البحثية أو جودة المخرجات) ، مثلها كذلك مثل الحصول على شهادة الأيزو لإدارة الجودة الشاملة والتي بدأت في الشركات وانتشرت إلى المؤسسات التعليمية (فالجميع يعلم أن شهادة الأيزو تعني أن الأنظمة الإدارية موثقة طبقا لأسس أنظمة الجودة ولاتعني بالضرورة جودة المنتج).

إن كنا نعلم ذلك ، فلماذا إذا هذا التنافس بين الجامعات (بكل صوره الشريف وغيره) تجاه رفع أسهم الجامعة في التصنيفات العالمية بعض الأحيان بطرق غير مقبولة ، أعتقد أن للمسؤولين في الجامعات حق فيما يفعلونه لعدة أسباب:

١. إن نظام التعليم العالي السعودي مركزي ، بحيث يحد من السقف الأعلي لاستقطاب الكفاءات العالمية ، بل أن الجامعات الناشئة تملك ميزة (بزيادة نسبة بدل جامعة ناشئة أو منطقة نائية) عن الجامعات العريقة ، ومع ذلك فإن السقف الأعلى مهما ارتفع لايصل لعشرة في المئة مما يحصل عليه البروفيسورات المرموقون في الجامعات العالمية بالإضافة إلى المميزات الأخرى مثل منح الجنسية. فكيف للجامعات أن تستقطب هذه الكفاءات في ظل هذه التحديات المادية واللوجستية ، وهذا ماتخطته جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية.
٢. إن نظام التعليم العالي السعودي تم تعديله قبل ثمانية عشر عاما (في عام ١٤١٤ هـ) ، ولم يتم مراجعته منذئذٍ (ماعدا بعض التعديلات الثانوية) ، فكيف لنا أن نطالب مسؤولي الجامعات باللحاق بالركب ومنافسة الجامعات العالمية ومعظمها غير حكومية ، وإن كانت حكومية فهي غير مركزية ، بل أن الجامعات الحكومية في كثير من الدول تتمتع باستقلالية ولها مجلس أمناء يحدد استراتيجية الجامعة وخططها وهو مسؤول أمام وزارة التعليم العالي عن قراراته ، تماما مثل جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية والتي لها مجلس أمناء ولها استقلالية نوعا ما في صنع القرار.
٣. كيف لنا أن نطالب الجامعات السعودية باللحاق بركب البحث العلمي جريا وهي لاتملك بعض المقومات الأساسية لإجراء البحوث العلمية ، وإن كانت بعض الجامعات (التي تعد على أصابع اليد الواحدة) تملك معامل بحثية متطورة فإن القليل منها من يملك باحثون متخصصون ومساعدون أبحاث يعملون في هذه المعامل (لنفس أسباب صعوبة الاستقطاب مهما ارتفعت “درجة” التعيين فإنها لا تقارن برواتب مساعدي الأبحاث في الجامعات العالمية). ولنترك الباحثين ومساعدي الأبحاث ، ونتحدث عن بعض الأساسيات مثل محللي الإحصاء بل سكرتارية يجيدون اللغة الإنجليزية ، فهل نتوقع سكرتير سعودي يجيد اللغة الإنجليزية يرضى براتب قد يجد ضعفه في الشركات الخاصة؟
٤. إن ارتفاع أسهم جامعة ما في سلم التصنيف العالمي هو ليس لهدف الدعاية الإعلامية فقط ، بل إن لذلك تبعاته المنطقية ، فعندما تشتهر الجامعة عالميا يبدأ توافد رجال الأعمال والمستثمرين للتبرع لمشاريع الجامعة والمساهمة في بنائها عندما يثقون أن ماسيقدمونه في سبيل العلم سيصل إلى العالمية ، كما أن من تبعات ذلك أن بعض الجامعات العالمية تبدأ بمبادرة خطب ود الجامعة لعمل مشاريع مشتركة ، فمهما ارتفع كعب أي جامعة أمريكية أو بريطانية فإنها تتمنى أن تكون علاقات بحثية عالمية خاصة في منطقة مثل الشرق الأوسط وتحبذ أن تكون هذه الشراكات البحثية مع جامعات عريقة لها حضورها العالمي ، وأحد أدلة الحضور العالمي شئنا أم أبينا هي التصنيفات العالمية باختلاف أنواعها ومنهجيتها وجودتها. كما أن ارتفاع أسهم أي جامعة في التصنيفات العالمية يؤدي إلى ازدياد رغبة المتميزين من الطلاب والمتخصصين في الالتحاق بها للمساهمة في تطويرها.

 

 

وحتى نحل هذه الصعوبات وغيرها مما يضيق الوقت لذكرها ، فقد يكون من الحلول المنطقية قصيرة المدى ما قامت به جامعة الملك سعود وجامعة الملك عبدالعزيز ، فأرجو ألا يتضرر مسؤولو هذه الجامعات كإعفائهم مثلا على خلفية هذه المقالة ، فأعتقد أن المسؤولين بهاتين الجامعتين يقومون بما لم يقم به المسؤولون في بقية الجامعات من جهة السرعة في دفع حركة البحث العلمي والتي اجتهدوا في طرق تطبيقها (إلى حين بناء البنية التحتية والتي قد تحتاج عقود من الزمن وبعض التغييرات في نظام التعليم العالي).

وبعد هذه المقدمة القصيرة فإن السبب الحقيقي لكتابة هذه الخاطرة هو البيئة الإدارية والقيادة الأكاديمية في الجامعات السعودية ، والتي أعتقد أنها جزء لايتجزأ من معضلة التعليم العالي. وقد استنكر علي أخي العزيز الدكتور طيب خروجي عن موضوع البحث العلمي واستيراده والتي أثارت استياء العديد ، إلى موضوع بعيد في وجهة نظره وهو طريقة قبول الطلاب وأعضاء هيئة التدريس في بعض الجامعات. فقد يعتقد أن قبول نسبة لا بأس بها من الطلاب وأعضاء هيئة التدريس ممن تربطهم علاقات أسرية بأعضاء هيئة التدريس في جامعة معينة لا علاقة لها بموضوع البحث العلمي ، وردي المتواضع هو أن أساس تقدم أي جامعة هو الحفاظ على حرمة الحرم الجامعي وتحقيق العدل في قبول الطلاب وتدريسهم وتعيين أعضاء هيئة التدريس وترقيتهم وإتاحة الفرص المتساوية أمامهم ، فإن انتفى هذا الشرط في جامعة معينة غلب عليها تقديم العلاقات الأسرية على المصلحة العامة ، فكيف لنا أن نثق في شرعية توجهاتها البحثية. كيف لنا أن نثق أن ما تقوم به جامعة ما هو لمصلحة الوطن أم لمصالح شخصية عائلية؟

والمثير للعجب ، اصرار بعض قيادي الجامعات على تحدي القانون علانية وحتى بعد الإعلان عن الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ، فترى وكيلا لجامعة ما (لم يرد ذكرها في مقالة “ساينس”) يعين ابنته في وظيفة أكاديمية مستحدثة غير معلن عنها في المركز الطبي التابع لجامعته ، فكيف لمركز طبي خدمي أن يكون له وظائف أكاديمية؟ ويبدو أن وكيل الجامعة انتبه لخطأه وحول ابنته إلى كلية العلوم الطبية التي تنتمي إليها بعد تعيينها بفترة بسيطة. فأي تطور بحثي نأمل من جامعة بها مثل هذا القيادي؟ قد يكون الحل هو إعفاؤه من منصبه (بدون طلبه) حتى نحافظ على حرمة الحرم الجامعي.

 
 

1 responses to “حرمة الحرم الجامعي

أضف تعليق